هو خير وإن أوجعك

في محاولة لبَثِ الأمل والحثِ على العمل لعل مشاركة المشاعر تجد قلبًا مثقلًا فَتُطمئِنُه أنّ ما أصابه لم يكن لِيخطِئَه وما أخطَأهُ لم يكن لِيُصِيبَه. 

منذ مشاهدتي الطبيب الصيني يحذر من انتشار الالتهاب الرئوي الفيروسي في مدينته ووهان قبيل انتهاء سنة ٢٠١٩ ميلادية حجز الوباء مقعده في قائمة اهتماماتي فتمركزت في الزاوية البعيدة مجردة من كل معرفة أو خبرة أو رأي سابق، أتابع عن كثب تقارير منظمة الصحة العالمية، أقرأ وأسمع لغريب النظريات والتحليلات هنا وهناك، آراء متناقضة، حزم بعض الدول وتضحياتها – والمملكة العربية السعودية خير مثال – في مقابل إهمال وبيروقراطية في دول ديموقراطية،  أشاهد بتعجب طور نموه وتمرده محاولًا إثبات وجوده، متحدياً مفهوم السيادة الدولية متجاوزًا للحدود دون الحاجة لإذن بالعبور، حتى تم اخيرًا الاعتراف به وتصنيفه كوباء وجائحة عالمية من قبل منظمة الصحة العالمية. 

في الثاني من شهر مارس اتخذت قرار العزلة الجسدية والتزام المنزل بعد أن استسلمت لنظرات المارة و رُكابِ الباصِ في كل مرة تُبَاغِتُني الكحة بسبب التحسس من الروائح رُغْمَ  محاولاتي البائسة في إخفائها أو ايقافها، والذي كان متزامنا مع توعية الناس بأعراض الفايروس ووجوب التزام المنزل واتباع تعليمات السلامة وامتلاء وسائل التواصل الاجتماعي بالشائعات والمهاترات وفرض الآراء فأضفت العزلة الذهنية واخترت: 

١- محاولة التركيز  على دراستي و أولوياتي رغم كثرة المشتتات و ضعف الإنتاجية، ولشحذ الهمة وتحفيز النفس أنصح بقراءة مدونة: “طالبُ العلم في زمن الكورونا”. 

https://atharah.com/learners-corona-time/

٢- والاكتفاء بسماع المستجدات مرة واحدة في اليوم ومن مصدر واحد وبحكم وجودنا في بريطانيا اخترت قناة BBC وللإطمنئنان على بلدي وأحبائي اكتفيت بما يصدر من وزارة الصحة السعودية. 

٣- واستجمعت قوتي وما أملك من يقين وحسن ظن بأقدار الله لإدارة عواطفي التي لم أفقد السيطرة عليها حتى الثاني عشر من شهر مارس بعد خطاب رئيس الوزراء البريطاني. 

“استعدوا لفقد أحبابكم” كانت الشعرة التي قصمت ظهر البعير كما يقال فبعد انتهاء الخطاب انهالت الرسائل والاتصالات للتأكد من سلامتنا وتوجيه النصائح والتي اجتمعت على ضرورة و سرعة العودة لأرض الوطن حيث أثبتت السعودية للجميع مدى قوتها وإنسانيتها وضربت أروع الأمثلة في التعامل مع الأزمة العالمية. 

نحن الآن بين خيار البقاء أو العودة العاجلة ومن واقع تجربة يجب الحذر من سرعة الاستجابة للعواطف والتي قد تكون وليدة معطيات خاطئة مما يؤدي إلى اتخاذ قرار دون النظر في عواقبه. 

تمكنت أخيرًا من ضبط النفس في محاولة لفهم المشاعر المتناقضة التي انتابتني من سعادة وفخر بما تقوم به دولتي مما طمأنني على أهلي وأحبابي، و شعور الحزن على الشعوب التي أكدت لها دولها أن الاقتصاد أهم من حياتهم وأن عليهم التعايش مع فكرة الإصابة بالمرض أو الموت أو فقد أحد الأعزاء في ظل محدودية الرعاية الطبية، حُزنٌ على من زاحمه الوباء في قوت يومه، وخَوفٌ  من خطورة أو صعوبة الحصول على المواد الأساسية في ظل التسوق الجنوني الذي أصاب الناس. 

فكان لِزَامًا التسليم بأن هناك أمور لا نملك السيطرة عليها، لذلك بدأت بمقارنة الإيجابيات و السلبيات في كل قرار مطروح والتعامل مع المعطيات الأساسية التالية:

١- المدارس والجامعات مازالت تعمل. 

٢- السكن والغذاء متوفر.

٣- الرحلات لم تتوقف بعد. 

٤- احتمالية حملي للمرض الآن واردة مما يؤدي لنقله لغيري. 

٥- هدي النبي عليه الصلاة والسلام بالتزام البيوت في زمن الطاعون. 

ومن هنا ظهرت عدة تساؤلات لا ينبغي تجاهلها: 

١- ما الأثر القانوني المترتب على مغادرتي بلد الابتعاث خاصة فيما يتعلق بنظام الفيزا في ظل عدم وضوح خطة العودة؟ 

٢- هل دخولي للمطار آمن خاصة على ابني ذو حساسية الصدر؟ أو من الأفضل البقاء في بلد الابتعاث؟ 

٣- في حال المرض – لا قدر الله هل أملك خطة للعزل؟

٤- في حال العودة للسعودية هل أضمن استقلالي بالمنزل للعزل؟ وهل أضمن استيعاب الأهل بوجوب عدم مخالطتهم لمدة ١٤ يوم؟ 

مع اختلاف الانفعالات التي رصدتها تأكدت أنّ إدارة العواطف فن علينا إتقانه لِنَفهم طريقة تفكيرنا وغيرنا خاصة من الأهل والأصدقاء وأصحاب القرار حتى نصل إلى توازن وواقعية عند اتخاذ القرار المناسب في الوقت المناسب.  

وأخيرًا لا نملك القدرة على اختيار العواطف والاحاسيس فهي تباغتنا دون استئذان لكن ربما نملك بعض الأدوات المعينة على إدارتها ومنها: 

١- الإيمان بالله وأنه مالك الملك، مقدر الأمور، وعلينا تذكر نعمه وطلب عونه ” قل الله ينجيكم منها ومن كل كرب” و استحضار معيته و وجوده بكل أسمائه وصفاته ومنها الجبار الرحيم بيده قلبك وأمرك، فنلتجأ إليه ونحسن الظن بأقداره، فأمر المسلم كله خير.

٢-التريث و التنفس بعمق و التفكير الإيجابي فإن مع العسر يسراً – معه وليس بعده فنستبشر. 

٣- استخدام وسيلة مناسبة للتعبير عما يَجِدُّ بالنفس مثل الكتابة أو القراءة أو الرياضة أو استشارة ذَوي الخبرة وغيره مما يبعث على السكينة. 

٤- التركيز على ما نملك تغيره وما نستطيع عمله فقط. 

وأذكر نفسي دائمًا بتجديد النية وهي طلب العلم، وأن أمرنا كله بيد الله، وعلينا الاستعانة به على هذه الشدة وطلب القوة والثبات والعافية، وتقوية العزائم كلٌ بما يناسبه سواءً من تواصل مع الغير أو قراءة في السير و كتب تطوير الذات، ولا ننكر قوة الأفكار الإيجابية والتفاؤل ومنه أن وطننا وأهلنا بخير ولم يتم التخلي عنّا بل سنعود بسلام في أنسب فرصة، فقط علينا استشعار قرب زوال الغُمّة وبُلُوغ رمضان والعيد ونحن في حال أفضل، وأخيرًا ندرك لطف الله الخفي في اصطفائه لنا لنكون في هذا المكان و الزمان راجينه أن ينفع بنا وينالنا أجر الصابرين في تحمل الغربة والدراسة وغيرها في ظل هذه الظروف .

عهود رويشد
باحثة دكتوراه في علوم القانون جامعه واريك

3 thoughts on “هو خير وإن أوجعك

  1. جميل رويشد

    الله يحفظك وابنك من كل شر وترجعوا بالسلامة والله خير حافظاً وهو أرحم الراحمين قلبي معاك ❤️🌹بابا❤️

  2. اميره بخاري والدة خوله ومنى حداد

    اللهم انا نستودعك كل مبتعث ومبتعه في اي مكان
    اللهم ارحم غربتهم واحفظهم اللهم انا نجعلهم في ودائعك فاحفظهم بحفظك واحرسهم بعينك التي لاتنام

  3. عبدالعزيز السديري

    مررتُ على جميع مدونات ابنائي وبناتي المبتعثين بمدينة كوفنتري الجميلة التي عشتُ فيها ذكريات لا تُنسى فلم اسمح لنفسي بمغادرة مدونتكم الراقية حتى اشكركم شخصاً شخص بوركت كلماتكم المعبرة.

    نعم التربية استاذ جميل وحفظها الله لكم ورعاها

    الوطن فخور فيكم
    تقبلوا مروري
    عبدالعزيز السديري

Leave a Reply

Your email address will not be published.