تقول العرب “عاد بخفي حُنين” .. تقصد أن الرجل رجع إليهم بعد رحلة بلا فائدة ولا مكسب يُذكر. ربما ينطبق هذا المثل على بعض الأشخاص الذين تسنّت لهم فرصة ابتعاث مميزة يتمناها كثيرون، ثم عادوا إلى بلادهم بعد هذه الرحلة ولكن بلا مكسب يوازي حجم المدة التي قضوها، وقد تكون تجربة امتدت لسنين طويلة.
صحيح أن الهدف الأساسي من هذه الرحلة هي الفائدة العلمية، فبرامج الابتعاث في المملكة غايتها أن يحصل مبتعثوها على تلك الدرجة العلمية التي أُبتُعِثوا من أجلها، لكني أرى أن الفرصة سانحة جداً للعودة بمكاسب أخرى ربما بعضها يفوق -أو على الأقل- يوازي المكسب العلمي.
وهنا سأذكر جملة من المكاسب والفرص التي يمكن استثمارها واغتنامها خلال هذه الرحلة:
- التعرف على طبيعة وعادات وتقاليد وربما لغات ثقافات أخرى متنوعة. ففي بلاد الابتعاث -وخاصة بين أروقة الجامعات- تتمازج الثقافات والأعراق، حيث ربما تقابل أشخاص من بُلدان بعضها لم تسمع عنها من قبل، وهذا بالتأكيد يصنع أفق من الوعي والإدراك لا يتحصّل إلا في مثل هذه الفرص والمواطن، “وجعلناكم شعوباً وقبائل لتعارفوا… ” الحجرات (آية ١٣)
- التركيز على المشاريع والمبادرات الشخصية، حيث تتقلص -بل ربما تنعدم- المناسبات الاجتماعية والعائلية، مما يُحدث فراغ يمكن استغلاله وتخصيصه للعمل على إنجاز المشاريع التي طالما حلمت بتنفيذها!
- الاحتكاك بشخصيات وقيادات الوطن المستقبلية والرقي بالعلاقات والصداقات الشخصية، حيث أن أغلب قيادات الوطن الحاليين هم مبتعثون سابقون. ولا ضير أن يجعل أحدنا هذا هدفاً له، حيث يقولون: “قلي من تُجالس أقول لك من أنت“، فالاهتمام بهذا الجانب أمر محمود، والتي ستجد لها أثر في نفسك وأهدافك وشخصيتك متى ما ارتقيت بمَن تُخالط. ومن ألزم الفرص وأكثرها تأكيداً للوصول إلى هذه الهدف هي المشاركة في اللقاءات والمناسبات المتنوعة بين المبتعثين. وبالتأكيد هذا النوع من المخالطة يوفّر لك فرص ذهبية، أبرزها الإثراء المعرفي والتطويري، بالإضافة إلى إمكانية المساهمة مع هذه الشخصيات في مشاريع ومبادرات ذات أثر مميز وعلى نطاق واسع التأثير والفائدة، وربما رصيد يُحدث لك فرق بعد انقضاء رحلة الابتعاث.
- الاحتكاك بطبقات مختلفة من المجتمع السعودي ومن مناطق متنوعة من المملكة، سواءً الذين يدرسون معك في جامعتك أو يسكنون بجوارك، حيث يُلاحظ كثير من مجموعات الصداقة في بلاد الابتعاث يميزها تنوّع مشاربهم (تتخالط اللجهات والثقافات بينهم)، وربما لا تتوارى مثل هذه الفرصة إلا بين المبتعثين.
- فرصة مؤاتية جداً للاهتمام بتعليم الأبناء، وخلق نظام عائلي بالطريقة التي تراها مناسبة، وهذا لا يتوفّر بنفس القدر بعد انقضاء هذه التجربة حين يتشارك معك في بناء هذا النظام مجتمعك وربما أقاربك – رغم مافي هذه المشاركة من فوائد ومكاسب أيضاً!
- أخيراً وليس اخراً، فرصة مميزة للمراجعة الايمانية والعقدية. كثير مِمّن مرّ في هذه التجربة والرحلة يتفق أن بيئة التحفيز الإيماني التي تجدها وأنت بين أهلك في المملكة لا تتوفر جميعها في بلاد الابتعاث، فلا تسمع الآذان بشكل متكرر، وربما يصعب الانتقال للمساجد لأداء جميع الصلوات، وايضاً لا تصوم معك جموع الناس في رمضان. وهذا تحدي وربما يجدها البعض “ناقوس خطر” يدفعه لأن يصنع -أو يراجع- ذلك الدافع الشخصي والداخلي، وبالتأكيد هذا يقوي الوازع الديني. وهو بزعمي من أكثر المكاسب التي ينبغي علينا الاهتمام بها والسعي لاغتنامها.
خاتماً عزيزي القارئ إن كان وجدت في هذه التدوينة من أثر في نفسك ورغبة لصناعة ذلك التغيير الذي يجعل هذه التجربة مميزة وفريدة من نوعها، فأذكرك بأبيات قال فيها الشاعر:
إِذا هَبَّت رِياحُكَ فَاِغتَنِمها
فَعُقبى كُلُّ خافِقَةٍ سُكونُ
لذلك لا تؤجل، وابدأ بصنع خطتك التغير لديك من هذه اللحظة!
دمتم موفقين ومعانين
همام الغامدي
باحث دكتوراه في علوم الحاسب الآلي جامعة واريك
مررتُ على جميع مدونات ابنائي وبناتي المبتعثين بمدينة كوفنتري الجميلة التي عشتُ فيها ذكريات لا تُنسى فلم اسمح لنفسي بمغادرة مدونتكم الراقية حتى اشكركم شخصاً شخص بوركت كلماتكم المعبرة.
الوطن فخور فيكم
تقبلوا مروري
عبدالعزيز السديري